مع التأزم المستمر في
الإدارة وإيجاد البدائل
كيف تدير دول العالم.. النامية والمتقدّمة نفاياتها؟
كيف تدير دول العالم.. النامية والمتقدّمة نفاياتها؟
جريدة السفير اللبنانية
/الثلاثاء 13/1/2015 /اماني معلوف
كيف
تدير دول العالم نفاياتها المنزلية؟ هذا السؤال يطرحه كل مواطن لبناني متابع أو
مهتمّ هذه الأيام بأزمة إدارة النفايات والتعثر الحكومي في إيجاد الحلول لهذه
القضية المزمنة التي بدأت بالظهور والتفاقم منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان، من
دون أن تجد الحلول المستدامة حتى اليوم. الكثير من دول العالم تخطّت البحث في
المفاضلة بين التقنيات لناحية رفع التلوث المحلي لمراجعة مدى الانبعاثات التي
تنتجها كل تقنية والتي تساهم في تغير المناخ العالمي. وهي باتت تنكبّ على الدراسات
التي تتناول تقييم مساهمة قطاع معالجة النفايات الصلبة المنزلية في انبعاثات غازات
الدفيئة في كل من البلدان المتقدمة والنامية. تظهر المراجعات لتجارب الدول في
كيفية معالجة نفاياتها أن الحلول التي تتبعها غير متجانسة، او ليست هي نفسها في كل
دول العالم. وتعود هذه الاختلافات الى طبيعة هذه النفايات والى وجود خصوصيات محلية
مؤثرة، إلا أن معظم دول العالم لديها استراتيجيات وخطط بعيدة المدى بالإضافة الى
اعتماد تقنيات متعددة، وان كانت متشابهة للإدارة المعقولة.فاذا تم رصد هذه الاختلافات على صعيد إدارة النفايات الصلبة بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة على جميع مستويات نظام إدارة النفايات من إنتاجها إلى آخر نقطة في معالجتها... يمكن اكتشاف التنوع في تكوين النفايات وخصائصها وطرق إدارتها، مما يترك آثاراً بيئية مختلفة وتفاوتاً في استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الدفيئة.
نقطة البداية من التباين، بين البلدان المتقدمة والنامية، هي إنتاجية النفايات نفسها. فالنفايات الناتجة في البلدان المتقدمة وتلك النامية تختلف في تكوينها كما في توزيعها وكثافتها ومستوى الرطوبة فيها، بالإضافة الى الاختلافات في قابلية التحلل وقيمة الطاقة فيها.
هذه العوامل تتقاطع ايضاً مع عوامل أخرى مؤثرة مثل، حجم السكان، المناخ وتوزع الفصول، مستوى التمدن (للاختلاف بين حياة الريف والحياة في المدن)، الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والمستوى المعيشي...الخ
كما يتم عالمياً ربط معدلات إنتاج النفايات مع مؤشرات مختلفة مثل الناتج المحلي الإجمالي للفرد، واستهلاك الطاقة لكل فرد. كما تؤثر العوامل الاقتصادية بشكل مباشر على توليد النفايات للفرد الواحد. فكلما تحسّن الوضع الاقتصادي وزاد دخل الفرد، زاد حجم النفايات الصلبة. على سبيل المثال، تتراوح معدلات إنتاج النفايات الصلبة من أقل من 100 كلغ/ فرد/سنة في البلدان المنخفضة الدخل (أي بين 825 و3255 دولاراً أميركياً/الفرد/سنة) إلى أكثر من 800 كلغ/ فرد/سنة، في البلدان الصناعية ذات الدخل المرتفع (أكثر من 10066 $/ الفرد/سنة) بحسب دراسة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ العام 2007. كما لاحظت هذه الدراسة أن معدل إنتاج النفايات قد ارتفع في كل من البلدان المتقدمة والنامية جنباً إلى جنب مع صعود الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقود الماضية. علاوة على ذلك، فإن الكمية الإجمالية للنفايات للفرد الواحد زادت بنسبة 54 % في الدول المتقدمة و35% في البلدان النامية بين عامي 1980 و2005. أما الدراسات الحديثة فبدأت تشير الى تراجع إنتاج النفايات في البلدان المتقدمة التي اعتمدت سياسات ضرائبية مناسبة، وزيادتها في البلدان النامية التي تفتقد الى هذه السياسات، بعد أن فتحت أسواقها لحرية التجارة وتدفق المنتجات من دون ضوابط بيئية (كما هي الحال في لبنان).
لعل العامل الأساس للنظر في نظام إدارة النفايات الصلبة هو تكوين النفايات ونوعها. هذا التكوين هو ديناميكي ويختلف وفقاً لعناصر عديدة مثل مستوى الدخل، وتغيير نمط الحياة، المناخ، المستوى المعيشي، والموقع (بين المدن والأرياف). عموماً، المكوّن العضوي هو السائد، خاصة في البلدان النامية.
إن تكوين النفايات (نوعها وتوزيعها) يؤثر بشكل كبير على إمكانات الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة في أي بلد. على سبيل المثال فإن النفايات غير العضوية لا يمكن أن تتحوّل من الناحية البيولوجية، أما النفايات العضوية فقد لا تكون مناسبة للتحوّل الحراري في حال كانت نسبة الرطوبة عالية. في حين أن جميع النفايات يمكن التخلص منها في المطامر من الناحية الفنية، بالرغم من أنه يمكن أيضاً إعادة تدوير كل من الورق والبلاستيك والحديد والألومنيوم...الخ.
فبعد الأخذ بالاعتبار كل هذه العوامل المكونة للنفايات، على البلدان أن تتبع استراتيجية مستدامة لعلاج النفايات مع دراسة الآثار البيئية وغيرها من العوامل مثل الكلفة المالية، توافر التكنولوجيا، وتوافر السوق والجودة بالنسبة للمواد المُعاد تدويرها والسماد العضوي.
الاختلاف في التكوين والنوعية إذاً، هو الذي يحدّد الاختلافات القائمة في الاتجاهات والإجراءات بين البلدان النامية والمتقدمة في إدارة قطاع النفايات الصلبة. وبالتالي، يجب اتباع نظام متكامل لإدارة النفايات الصلبة استناداً إلى المعايير المحلية أولاً.
جمع النفايات المنزلية
درجت العادة أن يتم إهمال بُعد مواقع المعالجة والآثار البيئية المتعلقة بعمليات جمع النفايات ونقلها. في حين تؤكد الدراسات الحديثة ان عمليات جمع النفايات ونقلها تساهم بنحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة من أنشطة إدارة النفايات الصلبة. ومع ذلك، فان الدراسات التي تتناول الغازات الدفيئة من جمع النفايات ونقلها محدودة ومعظمها يرتكز على مساهمة غازات الدفيئة من قطاع النقل بشكل عام. ولذلك يفترض بالذين يفكرون في وضع خطط المعالجة أخذ بُعد مراكز المعالجة عن مراكز الجمع بالاعتبار.
انبعاثات غازات الدفيئة من هذه الأنشطة تنتج بشكل رئيسي من الطاقة واستهلاك الوقود، التي ترتبط مع عملية ضغط النفايات في الشاحنة ونقلها. تفيد الدراسات ان استهلاك الوقود يتراوح ما بين 1.4 و10.1 ليتر من وقود الديزل لكل طن من النفايات التي يتم جمعها. ومع ذلك، هناك تباين كبير في كمية الوقود والانبعاثات الناتجة بين البلدان المتقدمة والنامية حتى في البلد نفسه. وترتبط هذه الاختلافات بطريقة الجمع ونوع الوقود، بالإضافة إلى نوع معدات النقل وعمرها وحجمها وقدرتها، ونموذج محرك الشاحنة او آلية النقل، ومسافات النقل. وبالتالي يمكن احتساب إجمالي استهلاك الوقود والانبعاثات من مجموع المسافات المقطوعة أو من إجمالي كمية الوقود المستهلكة خلال الجمع والنقل (وهي طريقة أدق).
انطلاقاً من هذه المعطيات، فإن المقارنة بين البلدان المتقدمة وتلك النامية صعبة، لأن هناك العديد من المتغيرات والمعطيات. واحدة من هذه المتغيرات هو الموقع المحدد. وقد أثبتت الدراسات العالمية ان معدل جمع النفايات هو أقل بكثير في البلدان النامية، ولكنه يمكن أن يصل إلى ما بين 90 و100٪ في الدول المتقدمة. كما ان المعدلات في البلدان النامية تتفاوت بين المناطق الحضرية والريفية. ففي لبنان على سبيل المثال، قد يصل معدل الجمع الى 100٪ في بيروت الكبرى بالمقارنة مع معدل أقل في المناطق الريفية، حيث تنتهي معظم النفايات في مكبات عشوائية او في الوديان او حرقها محلياً بعد رمي العضوي منها في الطبيعة او تحويله طعاماً لحيواناتهم الاليفة... أو يتم جمعها من قبل الجمّاعين (الذين يأخذون النفايات القابلة لإعادة التصنيع). اما العامل الآخر فهو يرتبط بالكثافة السكانية بحيث إن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية هي الأكثر كفاءة في البلدان المتقدمة بينما تتسبب بمشاكل متعددة من حيث التنظيم في البلدان النامية.
التخفيض وإعادة التدوير
يعتبر التخفيض في المصدر أو التخفيف من إنتاج النفايات في رأس الهرم لتحديد الاولويات في إدارة النفايات الصلبة باعتباره الفرصة المثالية لتوفير الموارد وبالتالي تخفيض الانبعاثات وتوفير الطاقة من استخراج المواد الخام وعمليات التصنيع، وكذلك الحاجة لإدارة النفايات. بالنسبة لمعظم المواد، تمثل «إعادة التدوير» الفرصة الثانية الأفضل للحد من انبعاثات غازات الدفيئة كثاني أوكسيد الكربون وتوفير الطاقة في عملية التصنيع كما تجنب الانبعاثات من الطرق الأخرى لإدارة النفايات.
تفيد دراسة قامت بها وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الاميركية سنة 2009 حول تقييم الدورة الحياتية الكاملة للنفايات والتي تناولت مقارنة سيناريوهَين للحدّ من تغليف المواد، أن تخفيض استخدام التعبئة والتغليف بنسبة 50٪ يمكن أن يخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 40 الى 105 (طن معادل CO2/سنة)، في حين أن تخفيض استخدام التعبئة والتغليف بنسبة 25٪ يمكن أن يساهم بتخفيض الانبعاثات بما يقارب 25 الى 50 (طن معادل CO2 /سنة).
كما تساهم استعادة المواد القابلة للتدوير بالتوفير، وهذا يعتمد على نوع الوقود الأحفوري الذي يتم تجنّبه وعلى معدل ونوع المواد المعاد تدويرها مثل المعادن والبلاستيك والزجاج، والمنتجات الورقية، مع الإشارة إلى مساهمة هذه الأخيرة أيضاً بزيادة نسبة امتصاص الكربون في الغابات.
يلاحظ في هذا المجال، أن جميع البلدان المتقدّمة تقوم بتنفيذ برامج لإعادة التدوير من خلال خطط رسمية تقوم على تشجيع الفرز في المصدر... ولكن مع إنشاء نظم لجمع النفايات بطريقة مفصولة وأسواق للمواد القابلة للتدوير (وهو ما لا يزال غير متوفر في لبنان).
ويلاحظ أيضاً، أن ما جعل هذه العملية ناجحة في هذه الدول هو الوعي حول أهمية توفير المواد الخام التي تتوافر بنسب كبيرة في النفايات كالبلاستيك والورق والكرتون والالومينيوم... وحول توفير الطاقة وما يرتبط بها من انبعاثات وكذلك الضرائب والحوافز الأخرى.
أما في البلدان النامية، فإن نسب إعادة التدوير منخفضة مع ملاحظة وجود عمليات غير رسمية من خلال «الجماعين» الذين يجمعون مواد قابلة لإعادة التصنيع من الحاويات. كما لا تزال برامج إعادة التدوير في المصدر متعثرة في البلدان النامية، اذ لا توجد أسواق للمواد القابلة للتدوير ولا مصانع (كافية) مجهزة للفرز وإعادة التصنيع.
التخمير
من حيث خيارات التحول البيولوجي للنفايات يقوم التخمير بتحليل النفايات العضوية تحت ظروف هوائية (او لا هوائية) ودرجة حرارة ورطوبة وحموضة منظمة إلى إنتاج السماد لاستخدامه كمحسن للتربة. وبالتالي، هذا يساهم في إعادة تدوير المواد العضوية وتحويلها إلى التربة كما يمكن أن يكون طريقة بديلة للحدّ من كمية النفايات التي يتم طمرها. تحتوي المواد العضوية على نسبة عالية من الرطوبة وبالتالي يقوم التخمير والتحلل بتقليل وزن المواد إلى 50٪.
يتم تطبيق التخمير على نطاق واسع في أوروبا، بالرغم من نسب المواد العضوية في نفاياتها قليلة، اما البلدان النامية الغنية نفاياتها بالمواد العضوية فإن نسب التخمير أقل والتي يفترض تحسينها.
الحرق
بحسب المؤمنين بخيار الحرق، يساهم حرق النفايات في البلدان الغنية بإدارة النفايات بطريقة سهلة والتخلص على نطاق واسع من الأنواع المختلطة لمواد النفايات المنزلية الصلبة، فضلاً عن توفير كمية كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة من خلال استعادة الطاقة الموجودة في النفايات بدلاً عن الطاقة المتولدة من الوقود الأحفوري.
تفيد آخر الإحصائيات (IPCC) أن على الصعيد العالمي، يتم حرق حوالي 130 مليون طن من النفايات سنوياً في أكثر من 600 محطة تتوزع على حوالي 35 بلدا. حرق النفايات الصلبة هو شائع نسبياً في البلدان المتقدمة بحيث تتزايد معدلات الحرق في معظم البلدان الأوروبية نتيجة التوجيه حول التخفيف من طمر النفايات في الاتحاد الأوروبي. كما أشارت البيانات من يوروستات أنه في أوروبا، يتم حرق 20 الى 25٪ من إجمالي النفايات المنزلية الصلبة في أكثر من 400 محطة. اما في الولايات المتحدة، فتشير وكالة حماية البيئة إلى أنه يتم حرق حوالي 14٪ من النفايات فقط، لاسيما في الولايات الشرقية الأكثر اكتظاظاً بالسكان. اما في اليابان، حيث المساحات محدودة للغاية، فيتم حرق اكثر من 70٪ من النفايات.
اما في البلدان النامية، فهي تعتمد في الغالب على الحرق العشوائي وغير المراقب للنفايات، ويعود ذلك الى انخفاض كلفة رمي النفايات في المكبات بالمقارنة مع ارتفاع أكلاف إنشاء المحارق الرسمية وتشغيلها ومراقبتها، بالإضافة الى الثقل التاريخي لتجارب المحارق الفاشلة. بذلك ان الاتجاهات المستقبلية لحرق النفايات ستعتمد على تقلبات أسعار الطاقة، فضلاً عن الحوافز وتكاليف تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة.
الطمر
الطمر هو الأسلوب الأكثر شيوعاً للتخلص من النفايات في جميع أنحاء العالم، بكونه أسرع وأرخص وسيلة للتخلص من النفايات. الا أن غاز الميثان الناتج عن طمر النفايات يساهم تاريخياً بأكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات مع العلم أن غاز الميتان يساهم بتغير المناخ أكثر من 34 مرة عن ثاني اوكسيد الكربون الشهير. وهناك طرق عدة لطمر النفايات تتراوح من استخدام المكبات العشوائية الى استخدام مطامر هندسية عالية التقنية، الى مدافن محصنة لنفايات نووية. كما تحتوي المطامر الهندسية على مجموعة أنظمة لاستخراج الغازات وأنظمة التحكم بالعصارة... مما يؤدي إلى انخفاض كبير في معدل انبعاثات غاز الميثان واستعادة وتوليد الطاقة، كما بدأ العمل مؤخراً في مطمر الناعمة.
خلاصات
يتضح مما تقدم أن الخيارات تختلف بشكل عام بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وكذلك بين البلديات في البلد نفسه، وذلك بسبب عوامل متعددة، بما في ذلك الاقتصاد المحلي والسياسات والقيود التنظيمية والتصورات العامة ومتطلبات البنية التحتية. وهذا يجعل المقارنة بين الأثر البيئي والاقتصادي لخيارات إدارة النفايات الصلبة في البلدان (المتقدمة والنامية) صعبة جداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق